12
May
الصفحة الرئيسية » الحياة والعمل » هل يمكن للطيور أن تعلمنا شيئاً ؟
من منا لم يتساءل يومًا: هل يمكن للطيور أن تعلمنا شيئاً ؟ سواء كنا نراقبها في الطبيعة أو حتى من خلف نافذة منزلنا، فإن سلوكياتها تفتح لنا بابًا واسعًا للتأمل والتعلم. في أوقات الراحة أو أثناء العطلات، أحب أن أستمتع بمشاهدة الطيور وهي تحلق وتغني، مما يبعث في نفسي شعورًا بالسعادة والدهشة. تلك اللحظات تجعلني أفكر في عمق الإبداع الإلهي في خلق هذه الكائنات، وكيف يمكنها أن تحمل لنا دروسًا في حياتنا اليومية
في فترة من الزمن، كنت أربي طيور الحب، تلك الطيور الرائعة التي كانت مصدراً للتأمل والإعجاب. كل طير منها كان يحمل شخصية فريدة تميزه عن الآخرين، فمنها الهادئ ومنها المرح والمشاكس. لكن من بين جميع الطيور، كانت هناك طائرتان قريبتان جداً من قلبي: فِت و لونا. للأسف، فقدناهما بعد سنوات مليئة بالحب والجنون والشقاوة التي أدخلتها إلى حياتنا. ستبقى تلك اللحظات محفورة في قلوبنا. أتذكر المعارك اليومية التي خضناها مع لونا! فعندما كنا نحاول الاقتراب من علبة الماء أو طعامها، كانت تظهر ثقة غير عادية في نفسها، معتقدة أنها قادرة على الدفاع عن منزلها بجسدها الصغير
وبعد أن ننتهي من تغيير علب الماء والطعام، كانت لونا تعود إلى هدوئها وسلوكها الطبيعي، وكأن شيئاً لم يحدث! لم تكن شرسة إلا عندما ترى سبباً وجيهاً من وجهة نظرها، وهذا السبب كان بالطبع الاقتراب من “منزلها”، وتحديداً من طعامها وشرابها. كانت تعتقد أن من يتجرأ على الاقتراب من تلك الممتلكات الخاصة سيواجه الويل. في الواقع، كانت تناضل من أجل أبسط حقوقها، معتقدة أننا سنسلبها طعامها وشرابها. صغيرتي لونا، هذه كانت أبسط حقوقك! وهنا نتساءل:هل يمكن للطيور أن تعلمنا شيئاً ؟ بالتأكيد نعم، فتصرفات لونا تعكس أهمية الدفاع عن حقوقنا بثبات وهدوء بعد انتهاء الموقف
حسناً من موقف لونا هذا! المفترض أن أتعلم بأنه إذا اضطر الأمر أن أتعامل مع شيئاً صعباً، بأن أدافع عن حقي، طبعاً من غير منقار أو صراخ وأحنجة، وبعدها من المفترض أيضاً أن أعود هادئة وكأن شيئاً لم يكن من البداية، أسلوب لونا أونا الفريد، هذه كانت لونا
أما عزيزتي فت فكانت طائراً هاديء ومسالمة، فقط تأكل وتلعب وتطير من مكان إلى مكان، إلى أن يكاد أن ينقطع نفسها الصغير، فرحة بالخروج من قفصها، كانت تغني الحانها كانت مميزة عن غيرها من الطيور
أعود بكم الآن إلى لحظة مراقبة الطيور من خلال نافذة المطبخ، تحديداً طيور الدوري. السبب وراء مشاركة هذا المنشور هو سؤال طرأ على نفسي، وأثار فضولي. هذا السؤال تبلور عندما كنت أراقب زوجاً من طيور الدوري، بأغانيهم الجميلة وحالتهم الدائمة من التأهب للطيران في أي لحظة. كانوا بعيدين عن النافذة، لكنني متأكدة أن عشهم ليس ببعيد. نتبادل النظرات؛ هم ينظرون إليّ وأنا أنظر إليهم
أعتبرهم أصدقاء النهار، لكن للأسف، لا أعتقد أن هذه العلاقة متبادلة. فهم بالتأكيد يروننا عمالقة وأعداء لهم، نهدد عشهم. القصة لم تنتهِ أبداً، فتبادل النظرات مستمر. هم ينظرون إليّ بطريقة دفاعية مضحكة ولطيفة، وأنا أحاول بصدق أن أوضح لهم بأنني لست تهديداً، لكن دون جدوى. هذا الحديث لا يصل إليهم، فهم مدفوعون بغريزتهم للدفاع عن النفس وحماية عشهم
بالمناسبة، نحن في حالة تبادل النظرات منذ حوالي أربع سنوات، حسب ما أتذكر. لاحظت أنهم يتركون المكان ويختفون لفترة من الوقت، ثم يعودون عندما يرغبون في بناء العش مرة أخرى. لست متأكدة تماماً إذا كانوا نفس طيور الدوري كل مرة أو طيور أخرى، لكن من يعرف المكان ذاته كل سنة؟ بالتأكيد هم زوج طيور الدوري. ما لا تعرفه هذه العصافير الصغيرة هو أننا نحبهم ونهتم بهم دون أن يدركوا ذلك. نحن نوفر لهم الماء كل صباح في الحديقة، ونضيف بعض فتات الخبز الممزوج بقليل من الماء لتسهيل التقاطه، ليس فقط لهم بل أيضاً للطيور الأخرى كالنغري وطائر الحباك الجميل
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وقد حاولت الإجابة عليه: ماذا يمكن للطيور أن تعلمنا؟ بعيداً عن المواقف التي تم ذكرها سابقاً، وبحسب رأيي المتواضع، هناك بعض الدروس التي تخطر ببالي الآن، وهي: الاستيقاظ المبكر، العمل المستمر والإنتاجية، والتركيز. بلا شك، العلماء المتخصصون في دراسة الطيور يعرفون الكثير عن سلوكياتها. أما بالنسبة لي، فأنا مجرد هاوية لمشاهدة الطيور
تستيقظ الطيور في ساعات الصباح الأولى، مستقبلة النهار بتسبيحاتها لله عز وجل، ومع ظهور الشمس تبدأ رحلة البحث عن الطعام والماء. بالنسبة لنا نحن البشر، من المفترض أن نتبع نفس النهج: الاستيقاظ المبكر، والبدء بالممارسات الصباحية الدينية، ثم القيام بالمهام اليومية التي تنتظرنا، سواء كنا أصحاب عمل، أو موظفين، أو ربات بيوت. كل شخص لديه عمله ومسؤولياته. السهر حتى ساعات متأخرة من الليل، ثم النوم حتى منتصف الظهيرة، ليس مفيداً للجسم على الإطلاق. قد لا أكون متخصصاً في الرعاية الصحية، لكن الأطباء دائماً ينصحوننا بأهمية الحصول على قسط كافٍ من النوم، والنوم المبكر، حتى نستيقظ بنشاط وحيوية، ونتجنب تراكم المهام
تأخذ الطيور عملية بناء العش على محمل الجد، فهي تبدأ باختيار البقعة المثالية في نظرها، ثم تنطلق في جمع الأعواد الصغيرة من كل مكان. تستمر هذه العملية حتى تجمع الكمية المطلوبة، وبعد ذلك تبدأ في حياكة الأعواد معًا لتبني في النهاية منزلها السعيد. إنه عمل جماعي جميل يعكس التفاني والإصرار. من هنا، يمكننا أن نتعلم من الطيور أهمية العمل الجاد مع الاستمرارية، حتى يتم إنجاز جميع المهام الحاسمة المدرجة في جدول أعمالنا. على عكس بعض البشر، الطيور لا تتعب ولا تمل من مهامها
عند بحث الطيور عن ديدانها اللذيذة، فهي تركز على هدفها بشكل يستحق أن نتعلم منه. بالطبع، ملك التركيز بلا منازع هو الصقر؛ لقد شاهدت العديد من الفيديوهات التي تظهر كيف يثبت الصقر عينيه على هدفه، ولا يتزحزح حتى يحصل عليه. أما العصافير الصغيرة، فلاحظت بعد سقي العشب أن لديها تركيزها الخاص أيضًا. فهي تقفز هنا وهناك بكل تركيز لالتقاط الديدان والحشرات التي تخرج من التربة الرطبة
عالم الطيور عالم واسع للغاية، ولا يمكن إلا لعلماء الطيور أن يجيبوا على الاستفسارات المتعلقة به بشكل كامل. وكبشر، نحن دائماً نبحث عن طرق لمساعدة أنفسنا ونتعلم أشياء جديدة كل يوم، سعياً وراء الرضا الذي نتعطش إليه للاستمرار في الحياة. فلنعتبر الطائر معلمًا لنا، إذا لم يكن لديكم أي مانع! لأولئك الذين يتعمقون في فهم هذا العالم، تقدم الطيور دروس حياة مجانية، دون أن تدرك ذلك. ولكن الأمر يتطلب تركيزًا حقيقيًا في هذه الدروس، وكل شخص يمكنه الخروج بفائدة معينة منها تخصه